نموذج الاتصال

في المطبخ

 

أنا في منتصف المطبخ وقررت قرار متهور بعض الشيء وتتخلله نكبة مستقبلية -كما أشعر- وهو الطبخ، تابعت مقطع في «الانستقرام» لشخص يقول عن طبخاته "في قلبك، في قلبك" وفي حقيقة الأمر هو ليس أفضل مني، ولنا نفس الإمكانيات، عينان، رأس، وأنف، ويدان -أظن أن لديه أنف ورأس وعينان، ولكنني أجزم بوجود أيديه-

 

المهم انطلقت لبنده ووقفت عند الكاشيرة وهي تسألني "شنو تبي؟" وكأنني كنت أنتظر هذا السؤال من الليلة الماضية وبسرعة قلت "صدور دجاج" قالت "أنواعه كثيرة وش تبغى" ثم حدقت قليلاً في السقف، وقلت بعد مشقة وعصف ذهني: "اللي ينطبخ" فبدا عليها ضيق الصدر وهي تقول "ما فيه صدر دجاج زينة، كلها تنطبخ" والحقيقة أن لدي اعتراض على قولها يتلخص في عدة نقاط، ومنها أنه ثمّة شيبس على شكل أفخاذ الدجاج، لا أتذكر اسمه حاليًا، ولكن لونه أخضر وأظنكم جميعًا تعرفونه، وثانيًا أنه ثمة تركيبات صدور رجاج زينة، يشتريها الأطفال. بيد أني لم أعلق، وأطفئت نار الفتنة التي كانت تندلع في رأسي، ثم سألتها "أحسن شيء عندكم؟" فأعطتني ساديا، ذهبت بعدها إلى قسم (المُفرّحات) وأشعر أنه كان سيعاتبني لو لم أذهب إليه، أخذت فشار لأضعه على المكتب وأتناول منه نزر كل ما شعرت بلسعة جوعٍ صغيرة. ومشروب غازي خالي السعرات، والسعرات تبتسم بتهكم وهي تنظر لمغلف الفشار العملاق.

 

وصلت إلى البيت، الآن بدأت تحدثني نفسي وتقول "وش جابك للطبخ، أنت زين تسوي قهوتك الصباح" ولكنني أخرستها. لبست «المريلة» فوق بيجامتي الكاروهات، وشعرت لوهلة أنني شيف عالمي، رغم أن جميع المعطيات من حولي توحي بعكس ذلك. كنت أشبه الفيلسوف فيرابيند:










وجدت أمامي كل المكونات عدا الفلفل الأحمر. هاتفت أمي وأجابت، يبدو على صوتها أنها كانت نائمة، وقالت باستغراب "هلا متعب؟" قلت "هلا فيك" وسألت عن حالها، وعن علياء، وعن بلقيس، فلا أستسيغ أبدًا أن أدخل في الموضوع مباشرة دون مقدمات مع أي أحد، وربما هذه من عادات أهل الريف، كما تقول أليس مونري "كعادة أهل الريف. يسألون أولا عن حال من يحادثونهم في الهاتف، حتى إذا كان سبب المكالمة هو أن يخبروك بأن منزلك يحترق." أجابتني أمي أنها بخير، وسألت عن حالي بضجرٍ واضح، فقلت لها أنني بخير وأحاول طبخ صدور دجاج، ولكنني لا أعرف أين الفلفل الأحمر، ثم صمتت قليلاً وكأنها تحاول أن تستجمع صورها الذهنية عن مكان الفلفل، وقالت في علبة الشوفان. تمنيت لها نومًا هادئ وبحثت عن العلبة المذكورة، ثم وجدت ثلاث منها بجانب بعضها البعض. ثم فتحت الأولى ووجدت الفلفل الأحمر، فاستغربت أشد استغراب، لأنه من عادتي بمثل هذه الحالات أن يكون ما أبحث عنه هو الخيار الأخير، ورجوت الله أن يكون حظي مستقيم في باقي الطبخة.

 

وضعت التوابل عليها، ثم "دلكتها" قليلاً ووضعتها في الثلاجة، ذهبت لمتابعة “the good morning show”، كنت أجلس على المكتب في ظلامٍ حالك، أتابع المسلسل وفي ذات الوقت أحدق في المقالة التي لا زلت أكتبها منذ شهرين، ولا أعلم متى سأنتهي منها، وعلى الجانب الآخر كان (تشيب) -في العرض التلفزيوني- يجلس على مكتبه في ظلامٍ حالك:



 


ثم مرت من عنده (لاورا) وقالت "ياله من مشهد حزين" وقلت بنفسي "فعلاً وضعه حزين" ثم استوعبت أنها لا تصف حال تشيب فقط، بل تصفني أيضًا، واعتدلت من جلستي الحزينة -على حد قولها- وغادرت المكتب للكنبة.


قمت إلى صدور الدجاج مرة أخرى، وطهوتها، ثم وضعتها على الصحن، ويبدو شكلها شهيّ، ولكنها جافه قليلاً. كانت تجربة جيدة، وأتمنى ألا أكررها مرة أخرى، شكرًا لأمي وشكرًا للكاشير اللطيف، الآن أكتب بعد أن أنهيت غسيل جميع الأطباق، وانكسر ظهري من طول الوقوف لتنظيف الصحون والملاعق. تذكرت بول فيرابيند وهو يقول "نشاطي المفضل: غسل الأطباق لزوجتي." ولكن حين سأل جون هورجان زوجة بول فيرابيند وهي الفيزيائية بوريني، قالت "هذا فقط عند رؤية القمر الأزرق [تعني أن هذا نادرًا ما يحدث]" وأنا أصدقها، أظنه نادرًا ما يزاول هذا النشاط، لأن الفلاسفة كسالى، ويحبون الفن والخبز اليومي [قالها نيتشه] وأظنه ذكر الخبز على وجه الخصوص، لأنه يتبخر في البطن دون أن تحتاج لطبقٍ تغسله بعد أن تنتهي من الخبزة.

 

المهم: لم يحدث وأن قال الزبادي لي "أغرب عن وجهي" ولم تختبئ المعلبات حين أرنو إلى الدرج لأخرجها، ولم يأتِ اليوم الذي يقفل به عامل المطعم الخط وأنا أطلب، لذلك -ولكل هذه الأسباب- لا حاجة لي بالطبخ مرة أخرى. وأنا من اليوم (شيف تائب)

إرسال تعليق